في سياق معالجتنا لمختلف الظواهر الاجتماعية السلبية، التي تنمو على هامش المجتمع بواحة فركلة مدينة تنجداد، ومن اجل وضع المتتبع لشؤون هذه الواحة في صورة ما يحدث داخل بنيتها بكل تعقيداتها، على ما تبديه من عصيان على مستوى الفهم والاستيعاب السلس، ارتأى طاقما، الأصداء ومن اجل الجميع، على فيس بوك، انجاز هذا التحقيق الذي تعقب خطوات مومس داخل ماخور تنجداد، الذي أصبح قبلة للوافدات من الأطلس المتوسط وتخومه، وللوافدين من تنجداد ونواحيها.
تستيقظ "ف ب" على غير عادتها، على أصوات صاحباتها في المنزل حوالي الساعة السابعة صباحا، وقد لا يسعها الوقت لتناول وجبة الإفطار أحيانا، وبطلب من "معلمتها" الملح، استقبلت أول زبون طرق الباب، بعد أن غسلت بشرتها وارتدت معطفها اللائق الذي يبرز بعضا من أطراف جسدها المثير للمشاعر بشكل جياش، وأمام المرآة مشطت شعرها بخفة متناهية، ووضعت ملون الشفاه ثم عضت عليها في لمح البصر، وبعد استقبالها للطارق وقضاء حاجته وانصرافه، حضرت إلى باحة المنزل لتعطي نصف ما أخذته "للمعلمة"، التي أمسكت بيدها سيجارة من النوع الرفيع وهي جالسة على أريكة تعانق أكواب الويسكي، وكأنها لم تنم طيلة الليل. ثم يطرق الباب بشدة للمرة الثانية، لكن "ف ب" وبمجرد فتحها الباب، تلقت صفعة مباغتة من شاب دخل بدون استئذان، ليجلس بالقرب من المعلمة التي قبلته بحرارة، فأشار إليها قائلا بلكنة محلية:"علاش دخلتيه ابنت ...؟"...تمتمت "ف ب"، ولم تكد الكلمات تسعفها، والدموع تملأ عينيها الواسعتين وكأنهما للبؤة فقدت صغارها في غابة حالكة.
حينها، تدخلت "المعلمة" لتهدأ من روعه: "ماشي عندها جا، هذاك صاحب أوت بومية." يعود الدم الى وجنتي "ف ب" وتستدرك بصوت يكاد يسمعه من بالخارج: "أش تا تعطيني؟ بعد مني ..انأ ما نصلاحش ليك، راني كنجري على عائلتي.."
"ف ب" بنت أطلسية المنشأ تنحدر من عائلة فقيرة ، فقدت أباها وهي لم تتجاوز بعد سبع سنوات...، لتجد نفسها متنقلة بين بعض المدن المغربية كخادمة بيوت أو كنادلة في مقاهيها ، وكانت آخر محطة لها بشارع محمد الخامس، بإحدى العلب الليلية، حيث تم اغتصاب براءتها ، وزج بها في أحضان شوارع مكناس كبائعة هوى متجولة.
خيم صمت مخيف على فناء الدار، وانتاب شعور غريب محيا الفتيات اللائي عاين تفاصيل الحدث، وهنيهة سمعن دقا قويا على الباب ،وهرولن إلى بيت كان بابه مفتوحا، وبإشارة من "المعلمة"، ما كان على "ف ب" إلا الاتجاه صوب المدخل الرسمي، لتفتحه من جديد ليدخل احد الرواد وبيده كيس، وضعه فوق الطاولة. شدت عيون الحضور إلى الكيس، ومدت إليه المعلمة يدها بتأن لتخرج منه زجاجتين من الخمر المهرب ومثلهما من ماء الحياة، وعلبتين من السجائر ودفتر للتلفيف وبضع غرامات من مخدر الشيرة..، عندها مدت صاحبة الدار أو ما يعرف في قاموس رواد الماخور "بالباطرونة" يدها إلى أسفل نهديها وأخرجت هاتفها النقال وانزوت في أحد أركان البيت، بينما راح الواقفون أمام الطاولة يتذاكرون حول هذه "الهمزة" وكيفية تدبير أمور الجلسة.
ظلت "ف ب" لوحدها تراقب المشهد دون أن تتفوه بكلمة رغم إلحاح بعض صديقاتها في استصدار رأيها في الموضوع، وفجأة كسر علو صوتها رتابة فضاء الدار: "هذي الحكرة !!! غير أجي وضرب..؟" أخذت الدموع تنهمر من عينيها، بينما أرادت صديقاتها إنسائها الذي كان، وواسينها بما فيه الكفاية، وهنيهة عادت للاندماج وسط الحضور وكأن شيئا لم يقع. سمعت طرقات خفيفة على الباب فقامت "الباطرونة" مسرعة نحوه وهي تمد يدها إلى ما بين نهديها مخرجة ورقة نقدية زرقاء وهي تتمتم :"طفيو الضوء، و أدخلوا لكوزينة، صحاب الحال جاو" وبحركة لافتة أصبح فناء المنزل خاويا على عروشه إلا من الطاولة اليتيمة التي تزين جلسة "الباطرونة" وتؤنسها، وهي تعطي أوامرها المطاعة. أردفت صاحبتنا بعد فتح الباب في وجه الطارق:"الله إكمل سرابسكم على خير".
أوصدت الباب وعادت "حليمة إلى عادتها القديمة" وانعقدت الجلسة بعد وصول احدهم بسخرة العشاء، لحم الدجاج المشوي، ورغيف الخبز، والزيتون والجبن المعلب "للقطعة".
تناول الكل العشاء في مرح وضحك ومزاح ،وكانت "ف ب" هي القائمة على الخدمة منذ البداية، لما تملك من رشاقة وخفة دم، وقد تعجب الجميع لتقلب حالها بسرعة، كانت ترتدي ملابس حمراء شفافة تكاد عيون الناظرين تخترق جسدها الممتلئ، وكانت تنتقل من غرفة لأخرى بدقة متناهية.
بدأ مهرجان تناول الخمر بعدما فتحت المعلمة الزجاجة بطريقة استعراضية بهلوانية، وقالت إحدى الجالسات جملة فهمنا مغزاها بعد اكتمال الدورة الأولى "الساقي يسقي راسو". وبدأ الحاضرون يتبادلون الفتائل، وأشعلت السجائر، ودار الكأس مقبلا شفاه الفتيات، ومد الرائد يده وبها أظافر كأنها عمرت لسنوات. ليواصل هوايته المفضلة في التلفيف، عندها نطقت الأخرى متسائلة :" واش هي ولا غير "حرتوك عاود؟" أجابها وقد اغتاظ:" شي حاجة ما دايراش.!!!!"
هكذا تعيش" ف ب" وزميلاتها في الماخور حيث تنعدم الراحة ويغيب الضمير، وتكون العبودية في أبشع صورها وأحلك مشاهدها، وينطق القهر داخل البيوتات معلنا سيطرته الأزلية. وفي غمرة هذه الأجواء الشيطانية ينغمس زبناء الماخور وهم ينعون الضمير الأخلاقي عند من بيده الحل والعقد وهم في غفلة عما يفعلون.

تعليقات
إرسال تعليق